الأحد، يونيو 20، 2010

الانتقال من الآخرة إلى الدنيا



لعل أول ما يجب كتابته في هذه التدوينة هو الاعتذار عن عدم الكتابة طيلة الأيام الماضية بسبب ترتيبات الزواج فبقدر ما في الأمر من يسر وتوفيق بقدرما فيه من إجهاد وإعداد وترتيب ومنظومة عائلية فوجئت ولأول مرة أني ملزم بما تفرضه من أعراف وخواطر وأصول وفروع احتراما لأبجديات الهرم العائلي وتقديرا لأواصر الرحم.
لعل الجميل في الأمر أن عائلة كاملة " أب وأم وإخوة وأعمام وأخوال وأبنائهم وبناتهم" كلا يساعد بحب وإخلاص ورحابة صدر في تأسيس بيت مسلم مما يضع نصب أعيننا مجددا لبنة البيت المسلم في المجتمع المسلم ويذكرنا بما قاله الإمام البنا رحمه الله (ونريد بعد ذلك البيت المسلم في تفكيره وعقيدته وفي خلقه وعاطفته وفي عمله وتصرفه ونحن لهذا نعني بالمرأة عنايتنا بالرجل ونعني بالطفولة عنايتنا بالشباب وهذا هو تكويننا الأسري).
دروس كثيرة تتوالى علي كل يوم من يوم الخطبة وإلي يوم البناء ومواقف كثيرة يتعدد فيها الصواب وأخرى أراها بسيطة يراها غيري غير ذلك وأخرى أراها غير ذلك يراها غيري كذلك. وصدق د/عبد الكريم بكار حين قال: من أن تنوع ما هو متاح، جعل الأشياء التي ترضي الجميع قليلة وبذلك تم فتح مجالات جديدة للاختلاف.
كل هذا جعلني في دوامة عجزت فيها عن نظم المشاعر فضلا عن الكلمات. فقد كنت في الماضي من الأيام مبحرا بقارب صغير على ضفاف النيل، أراني اليوم مبحرا بأسطول في المحيط لا أرى الشاطئ ولا أدري أين هو ولا متى الوصول؟
كثيرا ما كنا نسمع من إخواننا وأساتذتنا ونحن طلاب أن سنوات الدراسة أعوام خصبة للتفوق والبذل الدعوي حيث تتوفر كل المقومات لذلك "الحماسة - الوقت – سبل العلم - الرفقة الصالحة - عدم وجود مسئوليات حياتية أو أعباء مجتمعية" وغير ذلك من المقومات، اليوم واليوم فقط أدركت صحة هذه الكلمات.
فقد كان يومنا يبدأ بصلاة الفجر وأحيانا يبدأ قبل الفجر بقيام أو استغفار ثم قراءة للقرآن والأذكار يعقب ذلك حضور للمحاضرات إلى أن يحين موعد صلاة الظهر فتجد العشرات يتجهون إلي مسجد قسم الهندسة المدنية وبعد الصلاة ترى الوجوه تتصافح لتبث الدفء في القلوب وتجد ساحة المسجد وأمام المسجد حلقات نقاشية إما في أمور علمية أو دعوية أو شوق وترحاب ليس أكثر وهذا في كل يوم يا لها من مشاعر كانت صادقة !!!!
وباقي اليوم لا يخلو من الانشغال بتحصيل دراسي وأمور دعوية وتفكير لدين الله وتزاور في الله وسهر علي مصالح المسلمين ومطالعة لأخر أخبار العالم وأمور المسلمين فيه يتخلل ذلك قراءة خارجية منتظمة وباقي الأوراد والأذكار .
وتري عبر يومك في الوجوه أمارات إخلاص وصدق مع الله ووجوه أخري تراها تتطلع لغد أفضل وأفكار وإبداعات ومعان في التواصل ولمسات شخصية وتكافل وتكاتف تنسي معه أنا نعيش في الزمان الصعب.
كل ذلك يتفاوت من مكان لأخر ومن زمان لأخر ومن شخص لآخر غير أن ما لا تفاوت فيه ما تلمسه من وفاء ترتوي منه الورود وعيون بالحب دوما تجود.
منذ أيام اتصلت بأخ لي لطالما قضيت معه أوقاتا طيبة لم أسمع صوته منذ فترة وبسبب الغيبوبة التي كنت أمر بها انتبهت لذلك متأخرا فبادرته بالسؤال عن حاله وأين هو؟ كنت أسأل عن المكان فأجابني بأنه في سنوات الضياع معقبا بسنوات ما بعد التخرج فأعجبت بتعبيره وأدركت أنه بدأ يشعر بالفارق الهائل في الانتقال من دنيا إلي دنيا أومن الآخرة إلي الدنيا _إن صح التعبير_ رغم أن الفاصل هو سور الجامعة أو سور المدينة الجامعية .
زارنا أخ لنا لم أره وأنا طالب وإن سمعت عنه قليلا حل بيننا كالطيف موصيا.. ورحل عنا سريعا كالنسيم.. مسافرا فأوصانا في لحظات قائلا.. بأنه أثناء هذه الزيارة شعر بروح من اليأس دبت في النفوس والعزائم وكثرة الترداد للكلمات المحبطة من "أنه لم يعد يوجد.. هذا كان زمان.. الأوضاع تبدلت" إلي غير ذلك من هذه المترادفات وقال لنا لم لا يكن كل واحد منا حارسا لقيمة أو خلق أو سلوك يعرف به وتعرف به .. يحيا به وتحيا به.. واستأنس بمطلع خطب الشيخ كشك رحمه الله "ياحماة الدين ويا حراس العقبدة" وأخذ يعدد أصحابا له كل منهم يحرس قيمة أو سلوكا أو خلقا ويذكر مواقف لهم منذ أن كانوا طلابا وإلى الآن تبين حقا أنهم حماة لهذا الدين وحراس لهذه العقيدة.